المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: اليوتوبيا المحترقة الجمعة مايو 01, 2009 8:56 am | |
| اليوتوبيا المحترقة | | |
سعيد هلال الشريفي | 01/05/2009 صحيفة بلدنا | لم يشهد العالم حالة من الفوضى والضياع وفقدان البوصلة كما هو عليه الحال منذ بداية الألفية الحالية, التي وضعت البشرية كلها على متن سفينة دون قبطان وبحارة متمرسين ودون بوصلة، وتركها تصارع عاصفة بحرية عاتية, تقذف بها في كل اتجاه، دون أن يعرف أحد من ركابها متى يحين وقت بلوغ بر الأمان. هكذا يستهل أمين معلوف كتابه الصادر في شهر آذار الماضي في باريس تحت عنوان: فوضى العالم le dérèglement des mondes .
ويرى أن الغرب قد أصبح, منذ بداية القرن العشرين, فضاء ممتلئاً, أشاد صرح تفوقه العلمي والتكنولوجي فوق أنقاض دول الجنوب المنهكة, والعاجزة عن اللحاق بركب الحضارة الحديثة, والتي لم يبق أمامها سوى خيار العودة إلى «القيم الموثوقة», المتمثلة في تراثها الديني, بحثاً عن هويتها المهددة, بعد أن تيقنت من أن الغرب قد أوصد كل الطرق المؤدية إلى الحداثة دونها. هذا ما يفسر إنتاج أحداث الحادي عشر من أيلول, كخاتمة عنيفة لقرن غربي مريض بمخرجات حضارته الرأسمالية التي «ألّهت» المال والسباق نحو الثروة وعسكرة العالم, وهذا ما يفسر أيضا نزوع العولمة نحو انطوائية مصفحة بقيم أخلاقية واقتصادية ومالية, أضحت موضع شكوك لما نتج عنها من كوارث مالية وخلل بيئي يهدد مستقبل الأرض والبشرية في آن معا. النزاعات العرقية الدموية والفوضى التي شهدها العقد الأول من الألفية الحالية, تأتي حسب أمين معلوف كنتيجة ممنهجة لما يسميه «إنهاك الحضارات» بدل «صدام الحضارات» حسب هنتنغتون, وهي بالتالي دليل على بلوغ الإنسانية «عتبة الإفلاس الأخلاقي». ويؤكد أمين معلوف في كتابه الذي يحدث الكثير من الجدل الآن في أوروبا، أن العصر الذي نعيشه حاليا, المتمثل في تفتت القوميات, هو وريث عصر التصدعات الأيديولوجية, التي كان يسودها الحوار, طيلة القرن العشرين. هذا الحوار الذي اختفى نهائياً منذ بداية الألفية الحالية, لمصلحة مواجهة ميدانية عنيفة بين الغرب والإسلام, عبر خطاب ديني أصولي متشدد لكل منهما, يبدو في ظاهره متماسكا, لكنه في الممارسة, وعلى أرض الواقع, يكشف عن خيانة كل طرف لمثله وقيمه العليا. ويرى المؤلف أن خيانة الغرب لقيمه المتمثلة في الدفاع عن حقوق الإنسان, جعلته فاقداً لصدقيته في نظر شعوب الجنوب الطامحة إلى الديمقراطية, والتي أخذت العبرة والدرس من احتلال العراق وأفغانستان, ومحاولة احتواء باقي دول المنطقة, بشكل لم يعد خافياً على أحد أن ثمة تناقضاً بين خطابين مزدوجين, لزعامات الغرب. فهم من جهة, يتمسكون بالدفاع عن حقوق الإنسان في خطابهم, ويغضون الطرف عن انتهاكها, بشكل وحشي, في أكثر من مكان في العالم. ويخلص أمين معلوف إلى نتيجة مفادها أن العالم لن يتعافى من حالة التشظي والانطواء العرقي والقومي، إلا بالعودة إلى سلم أخلاقيات قوامها التثاقف العالمي, والحوار, واحترام خصوصيات الآخر, ومنح وزارات الثقافة في جميع أنحاء العالم قدراً كبيراً من موازناتها, على حساب عسكرة مجتمعاتها |
| |
|