المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: أنا ضد الثقافة العابرة للحدود لأنني..... الجمعة مارس 12, 2010 5:41 am | |
| آخر تحديث للصفحة الثلاثاء, 9 آذار 2010 أنا ضد الثقافة العابرة للحدود لأنني خبرت آثامها في مهدها قبل ربع قرن من الزمن ...... ........ ........ بقلم: سعيد هلال الشريفيشارك | تحضرني في غمرة السجال الثقافي الذي انفجر مع ظهور زاوية الكاتبة ناديا خوست حول الاختراق الصهيوني للثقافة العربية عبر الجوائز الأدبية ( بوكر ونجيب محفوظ), في صحيفة تشرين, وزاوية الزميلة رغداء مارديني بعد أيام ثلاثة بعنوان " حبل الذهب السري" في نفس الركن, ولما ينته بعد, وقائع سجال أقسى وأعنف تدور رحاه حتى الآن في فرنسا, إثر إطلاق الرئيس نيكولا ساركوزي, في آخر شهر من العام الماضي, لفكرة حوار وطني حول الهوية القومية ومفهوم المواطنة, والذي كان يراد منه انتزاع تأييد شعبي عام, لفكرة سياسية يمينية التوجه, تفضي إلى قوننة الحضور الأجنبي (الجاليات العربية والمسلمة على وجه الخصوص) فوق الأراضي الفرنسية, إلا أن الرياح جرت بما لاتشتهي السفن, فقد أيقظ الحوار كل العفاريت النائمة, مما أرغم القامات الفكرية والثقافية الكبرى, من وزن ريجيس دوبريه, رفيق درب الثائر العظيم تشي غيفارا, الصحفي القديم في مجلة "الأزمنة الحديثة les temps modernes" التي كان يرأس تحريرها في ستينيات القرن الماضي الفيلسوف جان بول سارتر, وكذلك المفكر اليساري جاك أتالي, ولفيف من كبار المثقفين الآخرين, على التدخل عبر أعمدتهم الصحفية, ونبش دفاتر الماضي الكولونيالي, وصولا إلى ثورة الطلاب في أيار 1968, التي اعتبرت في حينها, مرحلة فاصلة في انفتاح أوروبا على الليبرالية الاقتصادية والثقافية القادمة إليها من غرب الأطلسي, وما حملته من شعارات, نذكرها جميعا, من أبرزها آنذاك: make love not war, وماتلا ثورة الطلاب الجارفة من صرعات جديدة, على كافة الصعد الفنية والثقافية والحياتية: فرقة البيتلز, واكتساح فرق موسيقى الروك للذائقة الفنية الأصيلة, وسيادة موضة الميني جيب للنساء وتشارلز ستون للشباب, والخنافس وغيرها. يكشف لنا لوي دوغول في كتابه الذي صدر منذ خمس سنوات, وهو حفيد الرئيس الفرنسي شارل دوغول, قائد المقاومة الفرنسية ورمز تحررها الوطني من الاحتلال النازي, كيف كان جده يقف في الساعة الأخيرة من رئاسته للدولة وراء نافذة مكتبه بقصر الاليزيه, مجروحا, مهزوما, يتأمل بحزن جحافل الطلاب المحتشدة حول القصر وهي تهدر هائجة وتصرخ مطالبة إياه بالتنحي عن الحكم, بقوله: جمع الرئيس كبار مستشاريه ومعاونيه وجنرالاته ذلك اليوم, وقال لهم: هذه الحشود من الشبان الهائجين, الذين يصرخون منذ شهر دون أن يعرفوا جيدا أبعاد ومخاطر مايفعلون, هم الذين سيرفعون شخصا بوضاعة جاك شيراك إلى هذا المكان, وهم الذين سيشرعون أبواب فرنسا على ثقافة غريبة عنها. لقد انتهت فرنسا العظمى هذا اليوم. قالها دوغول بحسرة, وهو يتوجه نحو باب مكتبه سائلا الحضور: هل السيارة جاهزة؟ غادر القصر تاركا استقالته فوق مكتبه, ماضيا إلى قريته التي تبعد عن باريس نحوا من خمسين كيلومترا, ملتزما بيته حتى توفي بعد سنتين. ذات مساء من ربيع عام 1991, في عز الأزمة الدولية التي خلفها احتلال القوات العراقية لدولة الكويت الشقيق, كنت أهم بالخروج من مبنى صحيفة "لوبروفانسال" كبرى صحف المنطقة الجنوبية لفرنسا, في مدينة مرسيليا, حيث لم يكن قد مضى على عملي سوى أسبوعين كمحرر في شؤون الشرق الأدنى بقسم الأخبار السياسية, عندما لمحني رئيس القسم من خلال باب مكتبه المفتوح ليستوقفني قائلا: قرأت للتو مشروع تعليقك السياسي الذي أرسلته لي. أجريت بعض التعديلات الطفيفة عليه, ودفعته للنشر. كنت أشتم رائحة الشرق, التي لم تفارقك بين السطور وعبر بعض الكلمات. ثم ابتسم قائلا: كمحاولة أولى. جيد. لهذا أدعوك إلى تناول نخب زاويتك الأولى في المقهى المجاور. كان ريمون بيزو, يبدو لي في أواخر العقد الخامس من عمره, والد سولانج, مدرسة اللغة الايطالية, زوجة أندريه, صديقي وزميلي في الجامعة سابقا. حدثني كيف دخل صحيفة لوبروفانسال العريقة شابا, كمندوب للأخبار الرياضية في خمسينيات القرن الماضي, إثر هجرة والديه من ايطاليا وبحث جميع أفراد الأسرة عن عمل كان صعبا إيجاده في ايطاليا التي تتخبطها عصابات المافيا من جهة, والحركات الثورية التروتسكية واليمينية الفاشية المتطرفة, من جهة أخرى. ارتشف آخر قطرة من كأسه, ثم أردف: ألست جائعا؟ نهض ريمون من مقعده قائلا: هيا نتناول سمكا مشويا على الحطب في مطعم ظريف أعرفه على كورنيش البحر. في ركن قصي من صالة المطعم الرحبة, تتناهى منها أصوات تلاطم أمواج البحر في حركة متواترة لاتتوقف, راح ريمون يحدثني عن قريته التي قدم منها وأسرته في جنوب ايطاليا.. عن الفقر وانسداد أفق المستقبل في وجوه الشباب إبان الحرب العالمية الثانية. لكنه توقف مردفا: مع ذلك, كانت الحياة حينذاك أجمل وأبسط. كنا نقتسم الخبز والنبيذ بين الجيران, وننتظر الأعياد والاحتفالات العامة بفارغ الصبر, كي نرقص مع فتيات القرية, ونهمس في أذن إحداهن ماحفظنا من شعر وكلام عذب. أحسدكم أنتم شعوب الشرق لأن بلدانكم لم تستبح حتى الآن بالثقافة الليبرالية الاستهلاكية المتوحشة, المنفلتة من كل قيد ووازع أخلاقي, كما هو الحال الآن عندنا. أغبطكم لأنكم تتمسكون بلغتكم وبثقافتكم القومية وبعاداتكم وتقاليدكم. لكن لاأظن أن هذا الأمر سيطول كثيرا. لقد دخل الجيش الأمريكي منذ بضعة شهور إلى منطقتكم, ومن ورائه كل قوات حلف شمال الأطلسي, بذريعة تحرير الكويت, ولن يخرجوا منها قبل ربع قرن من الزمن, تغدو في نهايتها كل منطقة الشرق الأوسط ساحة مفتوحة للفتن وقيم الاستهلاك وعبث الاستخبارات المركزية وربائبها, في صميم هويتكم وثقافتكم ومعتقداتكم, التي لن تصمد طويلا أمام اجتياحاتهم العنيفة. هل تعرف كيف كانت فرنسا التي تظنها الآن متحررة وليبرالية جدا, كيف كانت قبل ثورة الطلاب عام 1968؟ هل تصدقني لو قلت لك بأن أصحاب أكشاك بيع الصحف كانوا يخفون مجلات الجنس الفاضحة بعيدا عن أعين الزبائن والمارة, ولايسلمونها لمن يطلبها همسا في أذن البائع, إلا ضمن مغلف سميك يخفي مضمونها, خجلا من الآخرين؟ كنت أصغي لريمون وهو يتحدث بحسرة وألم عن زمن مضى, ولن يعود, ثم استدرك: هل تحب أن تكتب مقالا في الصفحة الثقافية, بعيدا عن السياسة, تتحدث فيه عن " عالم الشرق الجميل" كما تراه أنت, قبل أن يحيله الأمريكان والصهاينة إلى أكوام من الخراب وفضاء موبوء بالفقر والظلم والجشع والفحش؟ تلقيت العام الماضي رسالة إلكترونية من سولانج, تعلمني فيها أن ريمون, والدها الذي عانق الثمانين عاما, لايزال يتمتع بصحة جيدة تسمح له بمطالعة الصحف كل صباح, وأنه لايزال يذكرني بود شديد. أذكر أيضا أن ريمون حدثني مرة في إحدى جلساتنا في مكتبه عن حتمية قدوم اليوم الذي تنتفض فيه النخب المثقفة بفرنسا, لتعلن احتجاجها عن كوارث مفرزات هذه الحداثة الرأسمالية الاستهلاكية التي خلخلت البنى الاجتماعية, وأرست منظومة قيم جديدة سلخت من ذاكرة شعوبها الجمعية قيم العدل والإخاء والمساواة, قيم الثورة الفرنسية, ولائحة حقوق الإنسان, التي غابت عن وعي العامة, وغدت جثة محنطة في مناهج التعليم الأساسي فقط. كان ريمون بيزو يساريا حرا في فكره وثقافته وكتاباته, وفي أدق تفاصيل سلوكه وحياته اليومية. كان أيضا من أكثر من عاشرت في أوروبا من مثقفين, تمسكا بهويته كايطالي الأصل, فرنسي المنشأ, ومناهض صلب للسياسات الامبريالية الأطلسية,وثقافة اليانكي, التي كانت تحظى بقسط وافر من الاحتقار في كل ما يكتب. كم أحن الآن لجلساتنا قبل عشرين عاما. وكم بودي أن أعرف رقم هاتفه لأذكره بصدق نبوءته بحتمية انتفاض النخب الفرنسية المثقفة الآن على مااعتبرته في حينها ثورة الحداثة والانفتاح عام 1968. لكن ماذا بوسعي أن أجيبه, لو سألي عن حال الشرق عندنا؟ هل أقول له الحقيقة المرة؟ هل أبلغه بأنني وزميلتي الدكتورة رغداء نتعرض لحملة تسفيه وتنكيل وعقاب بمنتهى القسوة والعنف, ذنبنا فيها أننا نحاول أن نقف بما نملك من إمكانية, في وجه ثقافة اليانكي الحداثوية الانحلالية, التي كانت السبب في دمارهم قبلنا؟ للمزيد من التفاصيل: http://www.jpnews-sy.com/ar/news.php?id=2926 | |
|