المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: رحلة البحث على غوغل الإثنين يوليو 20, 2009 11:30 pm | |
| رحلة البحث على غوغل سعيد هلال الشريفي كان لهطول المطر الشديد شتاء هذا العام وقعه الخاص, فقد أثار مع رائحة امتزاج حباته في التراب ذكريات ومقاطع من حياة كاد غبار السنين أن يطمس معالمها.كانت حبات المطر تنقر نافذة غرفتي بإيقاع أثار دفقا من صور متلاحقة, معظمها لأصدقاء لم أعد أعرف عنهم شيئا منذ سنوات عديدة, بسبب فقدان حقيبة في أحد المطارات كانت تحتوي على الكثير من الأوراق والخواطر التي تعود لعشرين سنة خلت, والأهم من كل ذلك دفتر العناوين الذي لا يعوض بأي ثمن.نهضت فجأة من مكاني وقلت في سري: لايمكن أن استمر على هذه الحال منقطعا عن مرحلة من حياة كان فيها الكثير من الدفء والصدق والحيوية, مع أناس عشت معهم فترة من أجمل مراحل العمر. لابد أن أسترد جزءا من تلك العناوين بأي وسيلة. فكانت رحلة البحث الأولى على غوغل.أندريه كودجت, كان يتصدر قائمة الأصدقاء المرشحين للبحث عنهم. " لم يفلح بحثك بتلبية طلبك. لكن هناك أسماء لأشخاص من نفس العائلة, هل ترغب باستعراضها"؟تلك كانت نتائج المحاولة الأولى. طلبت القائمة المقترحة من قبل محرك البحث, لأقع على اسم لشابة تدعى روكسان. لكن دون أي معلومات أخرى سوى عنوان لموقع الكتروني يدعى " أصدقاء الماضي", يقوم بدور ساعي البريد.ترددت في البداية قبل أن أترك لها رسالة لخشيتي بأن لا تكون ابنة أندريه الوحيدة التي أعرفها جيدا منذ كانت في السادسة من عمرها. لكن لم يكن أمامي أي خيار آخر. فعزمت أمري على ايداع رسالة لها في الموقع, راجيا منها, إن كانت لاتزال تتذكرني بتسليم عنواني لوالديها.فوجئت في اليوم التالي برد منها تعرب فيه عن سرورها باستلام رسالتي التي لم تكن تنتظرها يوما. وبعد أن أحاطتني علما بتطورات حياتها الدراسية والشخصية والنجاحات الباهرة التي حققتها على الصعيد المهني كمندسة تخطيط في قطاع السياحة, وكذلك زواجها من شاب طموح هو زميل دراستها في الجامعة. اختتمت روكسان, ابنة الثمانية والعشرين عاما رسالتها بالملاحظة التالية: " على فكرة. لازلت أحتفظ باللعبة الرائعة التي قدمتها لي بمناسبة حفل عيد ميلادي العاشر. هل تذكر ذلك اليوم ؟".لكنها لم تأت بحرف واحد عن والدها الذي راسلتها من أجله, مكتفية بالقول: لقد أبلغت والدتي بمضمون رسالتك, وأكدت لي أنها سوف تكتب لك في الأيام القريبة القادمة.بعد أقل من أسبوع وصلتني رسالة من سولانج, والدة روكسان, وزوجة صديقي أندريه, حاملة في سطرها الأول العبارة التالية: الرجاء منك ألا تقرأ السطور الأخيرة إلا عندما تبلغها.كانت الرسالة أكبر حجما من هذه الزاوية. عرضت فيها سولانج, بأسلوبها الرشيق كمدرسة للأدب الايطالي, جوانب متعددة من حياة لاتزال تستمر بإيقاعها الرتيب, وبتفاصيل ونمنمات جعلتني أعيش من خلال سردها لأهم ما جرى بعد رحيلي عنهم, وكأنني لم أغادر تلك المدينة منذ نحو خمسة عشر عاما.عندما اقتربت سولانج من نهاية رسالتها, أخذت تميل إلى التوقف عند بعض المحطات من تلك الفترة التي تمتد بين الأعوام 1986-1991. تقول في واحدة منها: " الصديق العزيز. أتذكر عندما كنا نضج شبابا وحيوية, نصل الليل بالنهار طيلة عطلة الأسبوع, مجتمعين رهطا كبيرا من الأصدقاء على طاولة في مزرعة صديقنا, مجنون الحضارة الفارسية, البروفسور بارفيز أبو القاسمي, نستمع إلى أجمل القصائد التي دونها أحد الحضور حديثا, ونصغي إلى الموسيقى الشرقية والغربية على حد سواء ؟. هل لازلت تذكر أمسيات الصيف تلك عندما كنا نتنزه وأندريه وروكسان الصغيرة معنا, بين أشجار الكرمة نقطف العنب ونسترق السمع لهمسات السكون الأزلي؟هل لاتزال تذكر القصيدة الملحمة, "القارب" التي تلاها علينا بارفيز في إحدى تلك الأمسيات الصيفية, التي سرد فيها قصة معاناته منذ غادر إيران في ستينيات القرن الماضي شابا يافعا, بأسلوب شعري أبكانا جميعا؟لايزال بارفيز يكتب الشعر, وقد نشر مجموعته الثالثة العام الماضي. لكننا لم نعد نلتقي كما السابق. والآن دعني أخبرك ما لا تريد سماعه. لقد مرض صديقك أندريه في السنوات الأخيرة, وفارقنا منذ سنتين. كان يذكرك في كل مرة كنا نلتقي فيها مع أصدقاء مشتركين. عندما بلغت السطور الأخيرة من رسالتها, تنبهت مجددا إلى صوت المطر ينهمر بغزارة فوق دمشق. وفي تلك الليلة الماطرة, الصامتة, كانت الدموع تنهمر من عيني فتبلل أوراقي المتناثرة فوق الطاولة, وتذكرني بآخر لقاء مع أندريه في ليلة شتائية ماطرة بمطعم وسط مدينة اكس أنبروفانس عام 1994. كان يحدثني في تلك الأمسية عن مضمون سلسلة محاضرات أعدها لجامعة تورينو بايطاليا عن أصول المفردات العربية التي دخلت على اللغات الأوروبية ذات الأصل اللاتيني وتطورها عبر العصور. وداعا أندريه. لقد حزنت جدا لفراقك. رغم يقيني بأن المسافة الشاسعة التي تفصلنا كانت كافية لأن لانلتقي أبدا. لكني كنت أرغب بأن تبقى حيا. من يدري. ربما كنا سنلتقي يوما, نستعيد فيه الكثير من الذكريات الدافئة, والكثير الكثير من احباطات سنوات العمر, ربما في أمسية شعر رومانسية بمزرعة صديقنا بارفيز. | |
|