دمشق صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الاربعاء 26 آب 2009
سعيد هلال الشريفي
الحملة الوطنية التي أطلقها الفنان الكبير عباس النوري ومن حوله لفيف من نجوم الدراما السورية، بهدف تحويل القدس إلى عاصمة أبدية للثقافة العربية، لابد أنها لامست قلب كل فرد على امتداد مساحة الوطن العربي. ولكي لا تبقى هذه المبادرة العظيمة في مدلولاتها ضمن نطاق ضيّق، لابد من أن تتضافر جهود أخرى معها، تعاضدها وتدفعها لتكون حاضرة في كل مكان، بشكل يمكّن نجومنا من إسماع أصواتهم فيه. فالقدس تتآكل يومياً تحت معاول الهدم الصهيونية، والعالم لايحرّك ساكناً، تماماً كما تآكلت الضفة الغربية بمدنها التاريخية، بيت لحم وأريحا ونابلس والخليل والناصرة وسواها، بعد أن أزيلت أسماؤها العربية عن لوحاتها الطرقية، أسوةً بالحملة المسعورة التي تشنّ منذ بداية العام الحالي، بشكل لا سابق له، على الأحياء العربية في القدس، بمسيحييها ومسلميها، لأن المستهدف في هذه الحملة هو الكائن العربي بثقافته المتجذرة في الأرض منذ عشرات القرون من الزمن، والتي يعمل المحتل على إزالة معالمها بكل الوسائل المتاحة، عسكرياً وسياسياً، وثقافياً أيضاً. قرأت ذات مرة في مقابلة مع أحد الضباط المتقاعدين من جهاز الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» قوله، إن الموساد يعدّ الجاليات اليهودية في العالم، وتحديداً في الغرب، جنود احتياط يسهلون ويعاضدون عمل الفرق الموفدة لتنفيذ أي عملية اغتيال لعناصر مناوئة للمشروع الصهيوني في أي مكان من العالم. وفي المقابل، تشير التقديرات إلى أن عدد أفراد الجاليات العربية المقيمة في الغرب يتجاوز أضعاف عدد الصهاينة الموجودين في العالم. وإذا أضفنا إليهم عدد المسلمين من غير العرب، فإننا سنلامس رقماً يفوق المئة مليون فرد، لا تشكل جهودهم لنصرة فلسطين شيئاً يذكر أمام الجمعيات الصهيونية المنظمة على مستوى القارتين، الأوروبية والأمريكية. واحدة فقط من هذه الجمعيات الصهيونية تفوق بأدائها الكثير من العمل السياسي والثقافي والإعلامي العربي والإسلامي مجتمعاً، وهي التي تقف وراء كل المآسي التي تحصل حالياً للمقدسيين من هدم لمنازلهم وتشريد لأسرهم. تدعى هذه الجمعية «الأصدقاء الأمريكيون، أتريت كوهانيم» مقرها في نيويورك، وقد تأسست عام 1987 بهدف جمع التبرعات لدعم مؤسسات التعليم والبحث العلمي، لكنها تمارس أنشطة استيطانية خلافاً للقانون الأمريكي الذي يحظر نقل الأموال خارج الولايات المتحدة لدعم مشروعات ذات بعد سياسي. ومع أنه قد افتضح أمرها يوم الأحد الماضي، على لسان مديرها في تل أبيب دانيال لوريا، الذي أكد لصحيفة «هاآرتس» بالقول: «أجل، نحن نستغل شعار دعم المؤسسات التعليمية لكي نتمكّن من إخراج الأموال من الولايات المتحدة قانونياً.. لكننا في الواقع، نعمل منذ تأسيس الجمعية على تملّك الأراضي في القدس الشرقية بهدف تمويل مشروعات البناء فيها بعد إخلائها من سكانها العرب.. وقد تلقينا مئات الملايين من الدولارات منذ تأسيسها حتى الآن». برغم هذه التصريحات المتغطرسة، فإن السفارة الأمريكية في الكيان الصهيوني لم تحرك ساكنا إزاء تحدي قوانينها وتشريعاتها المالية. أين الجمعيات العربية المماثلة التي تدعم بتبرعات مكافئة أهل القدس والمدن الفلسطينية الأخرى المهددة كل يوم بشبح الجرافات الصهيونية من حولها؟ ولكي لا تتحول مبادرة فنانينا الكبار إلى مجرد صرخة في واد سحيق، يجب تأطيرها في منظومة عمل شبه رسمي، وإحداث صندوق تبرعات لها، يمدّ أهل القدس بمقومات الصمود. فالمقاومة ليست سلاحا وقتالا فقط، إنها تمسك بالهوية، وبالأرض، وباللغة، وبالعادات، والتقاليد. عندما تجتمع كلّ هذه المقوّمات لشعب، فإن المحتل يصاب بالإحباط واليأس، ويبدأ يفكر بشيء آخر، غير الاستمرار في الاحتلال.. أليس هذا ما حصل في جنوب لبنان عام 2000؟ وفي غزة عام 2005، والآن في العراق؟