المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: قالت لي الغجرية السمراء الثلاثاء سبتمبر 08, 2009 9:29 am | |
| قالت الغجرية السمراء ليتني أعثر ذات يوم على تلك الغجرية السمراء التي كانت تفترش الرصيف مساء يوم ربيعي من عام 1987 بمناسبة المهرجان السنوي لغجر جنوب فرنسا, الذي يقام في منتصف شهر أيار من كل عام في مدينة سانت ماري دولامير, التي لاتبعد كثيرا من مدينة آرل, مثوى الفنان التشكيلي العالمي فان غوغ.كانت المدينة بكل شوارعها وأزقتها المتعرجة تضج بالفرق الموسيقية المختلفة, من شبان وشابات الغجر, وغيرهم من الشبان الفرنسيين أيضا, تختلط ألحانهم مع موسيقى البوب والروك والجاز, في كرنفال شعبي قل نظيره.تكتسي المدينة في تلك الفترة من السنة حلة اسبنيولية مزركشة الألوان, تحتل رقصة الفلامنكو أهم ساحاتها العامة, وإلى جوارها تنتصب مناسف "الباييلا", الوجبة الاسبانية الأكثر شعبية.كنا نغوص ثلاثتنا, ع. معاذ, صديق مقعد الدراسات العليا في جامعة بروفانس, ومارتين, الفرنسية القادمة من ذرى جبال الباسك لتنهي مشروع تخرجها بكلية الفنون الجميلة عن الرسام فان غوغ, عندما لوحت لنا غجرية سمراء في العقد الرابع من العمر, بيدها متوسلة أن نقترب منها أكثر. وعندما امتثلنا لطلبها, قالت: أنت. متوجهة نحوي, وأضافت بحماسة واضحة: دعني أقرأ عليك طالعك. فسألتها مارتين: لماذا هو بالذات دوننا؟ لم تجبها الغجرية, وتابعت. فيما أذكر الآن قائلة: حياتك أشبه بسفينة تصارع عاصفة في ليلة ظلماء. أنت من الصنف الذي يحب الحياة والناس, لكن ثمة نجمتان في درب اللبانة ترافقانك أينما ذهبت, وأينما حللت. واحدة منهما معك, تحيطك برعايتها وحمايتها, والثانية تجافيك. كثيرا ما انتصرت لك نجمتك "الراعية" فأنقذتك من مصائب محتمة, لكنها لا تستطيع أن تفتح لك أيا من أبواب النجاح في الحياة, لأن النجمة المجافية, هي من تستأثر بكل مفاتيح الأبواب الموصدة دوما في وجهك.أخذت الغجرية زفرة شهيق, وأردفت: هل تفهم جيدا ما عنيت؟تبادلت مع عبد ومارتين نظرات خاطفة وحائرة. كنت مرتبكا قليلا. ومع ذلك سألتها المزيد, فاستأنفت: حتى تصدقني بما فيه الكفاية, فلن أتقاضى منك فرنكا واحدا. لقد قرأت في محياك وأنت تعبر الشارع, ومن ثم في عينيك وأنت قبالتي, كل حياتك الماضية, وبوسعي أن أرسم لك بناء عليها معالم مستقبلك أيضا. هل تؤمن بالقدر وبالحظ؟ أنت مسلم, أليس كذلك؟إذا كنت تؤمن بالقدر المحتوم, فإنك من صنف الرجال الذين يجافيهم الحظ. تعمل وتشقى في هذه الحياة, لكن دون جدوى. نتائج جهدك وشقائك, تصب عادة في طاحونة الآخرين. أما أنت فستبقى كما أنت الآن. تمر الفرص من حولك دون أن تلمحها, لأن النجمة التي تجافيك, تمنع بصيرتك من رؤيتها, وتحجب بصيرة الآخرين عنك. فلا تتعب كثيرا, لأنك لن تطول أيا من أحلامك.لحظة صمت سادت المكان. لم أكن أجرؤ حتى على النظر في عيني مرافقي. كنت مطرق الرأس, أفكر في كل ما قالته تلك الغجرية, لا أصدقها تماما لكنني لم أكن أستطيع نفي أيا مما ذكرته لي. كانت تقول الحقيقة التي لم أرغب يوما في سماعها وتلقيها بهذه الطريقة الفجة. لحظات مرت, كنا صامتين جميعا. ثم سألت بصوت حنون: ما اسمك الأول؟صمتت للحظات أيضا, ثم قالت: كان على أبويك أن يمنحاك غير هذا الاسم. فيه حرف رنيني "السين" وفيه أيضا أقوى الأحرف الصوتية "الياء". إن اسمك لايتوافق وطبيعتك الحالمة. إنه أحد أسباب شقائك الدائم في هذه الحياة.سعيد هلال الشريفي | |
|