المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: عيون ايلزا الإثنين سبتمبر 21, 2009 8:59 am | |
| عيون ايلزا
صحيفة تشرين ثقافة وفنون الاثنين 21 أيلول 2009 سعيد هلال الشريفي
على شاهدة قبر, تحت ظل شجرة صنوبر عتيقة, أوصى أن تنقش بضع سطور من رائعته الشعرية "عيون ايلزا".
كان موكبه إلى هناك في الرابع والعشرين من شهر أيلول عام 1982, مهيبا, صامتا, دامعا, يفتقد فقط إلى رفاق الدرب وأصدقاء العمر, شعراء فرنسا الكبار الذين أسس معهم المدرسة الدادائية والحركة السريالية, كأندريه بروتون وبول إيلوار. لكنه كان يحفل بالكثير من المشيعين الذين وصلوا إلى حواف خريف العمر بقلوب منكسرة, أعياها انتظار حب على مفارق الطرق, وفي محطات القطار المظلمة والموحشة في ليال شتائية باردة جدا, أملا في أن تبرق من بين كل تلك الردهات عينان تشبهان عيني ايلزا.
"عيون ايلزا" التي نشرها لويس آراغون لأول مرة عام 1942 في إحدى الصحف الباريسية, فأبكت كل قلب مهشم, وكل روح تنتظر بيأس, حبا يلفح بلهيبه الحارق جوانح قلوبها اليباب, ليعتقها من أسرها, وليجعلها تحلق وتطوف في الحقول كفراشات فرحة..
من سيكتب بعد آراغون "عيون ايلزا" جديدة تواسي العاشقين في ابتعادهم, وتمنح الأمل لمن لم يطرق الحب باب قلبه بعد؟
من سيقول لعاشقة أنهكها الانتظار وهي تذوي إلى جانب نافذتها, كلمات, ليست ككل الكلمات:
"عيناك عميقتان
كلما انحنيت لأرتوي منهما
تهرع الشموس لتغوص في لجتيهما
وتلقي فيهما جميع اليائسين
عيناك عميقتان لدرجة أنني فقدت فيهما ذاكرتي...
ذات مساء جميل تحطم فيه الكون
ومن أعلى جرف صخري ألهبته العاصفة
رأيت على امتداد مدى البحر بريق
عيون ايلزا, عيون ايلزا, عيون ايلزا"
آراغون أيها الإنسان الرقيق. ايلزا التي أعادت إليك بهجة الحياة, هي الآن أيقونة متوهجة, تنير كل قلب منكسر, تؤنس وحدة كل عاشق منهك, يجوب حواف المدن والخلجان, ينظر في عيون المارة كتائه مهيض الجناح, يبحث عن عينين تغوص الشموس في لجتيهما, ليدفن يأسه, وانكساراته, وأسفه على عمر ضاع سدى, بلا حب, بلا شوق, بلا انتظار, بلا لقاء, بلا وداع.
أهو الجرح المفتوح في أعماقنا, منذ خلقنا, يجعلنا نألف الحرمان, ونستسلم لأول انكسار, يهدر فيه كل شيء ؟
الشعر والحب صنوان.
رحل آراغون عن طاولته في مقهى مونبارناس, دون عودة إليها, لكن كلماته ظلت تتردد على شفاه الأجيال, طالما أن هناك قلب يخفق لحب لم يأت بعد.
هل مات الشعر؟
هل ماتت قصيدة الحب؟
هل رحل الشعراء من هذا العالم, الملوث بالصراع على الثروة, إلى كوكب آخر, وأشادوا فيه أكواخا خشبية, في غابات منسية؟
كيف لنا أن نعيش وسط عالمنا هذا بلا قصائدهم التي تمجد الحب, كلماتهم التي تعيد لنا انسايتنا الضائعة وسط الزحام؟
على جدار كوخ خشبي متداع فوق رابية تطل على خليج ترتع فيه أسماك بكل الألوان, كان ثمة سهم من رامية في قلب محفور على جذع شجرة سنديان قديمة.
كلمات وكلمات لم نقلها بعد. لكننا نتذكر في لحظات انكسارنا كل ماقاله آراغون بلغته الجميلة, ونزار قباني بلغته الأروع.
ماذا كنا سنفعل بحياتنا لولا كلماتهم؟
| |
|