مصداقية الإجابات وجرأتها، لاسيما حين انطلق وعد صادق بأن يكون هناك تغيير شامل لسياسة النشر في الصفحات الثقافية مطلع الشهر القادم.
[size=9]شيء مفرح، ويبهج القلب، أن ندرك خطورة المرحلة التي تمر بها الأمة، وندرك أهمية الشريحة المثقفة والمبدعة في أن تأخذ دورها الطبيعي، وتفعل كما يفعل مبضع الجراح في استئصال الداء من الجسد السقيم.
[size=9]فالكتابة لم تعد ترفاً فكرياً، تمارسه تلك الشريحة من باب الهواية والتسلية لتزجية أوقات الفراغ، أو للحصول على منفعة آنية، مادية أو معنوية، بل هي مهمة صعبة ورسالة عظيمة من يكتوي بنار سعيرها وحرارة توهجها، ومعاناتها يعرف حجم المسؤولية، وصعوبة المهمة.
[size=9]ليس من قبيل التفاصح، ولا الخطاب من أعلى، ولا الشعور بالتمايز أجدني بعد رحلة ليست قصيرة وتجربة فيما يخيل اليّ عميقة على الصعيدين العمري والعملي في حقول الثقافة، والإبداع، والكتابة، للقول: ما زال وعي الكتابة لدى الأغلب الأعم من مبدعينا، لا أقول غائباً، بل هو غائم بعض الشيء في زحمة المهمات الأخرى التي نلهث، أو بشكل أدق نهرول مسرعين لاقتناصها قبل فوات الأوان، أو قبل أن يسبقنا أحد الشطار ويخطفها وهي قاب قوسين من بين أيدينا فالمنهمكون في كتابة المسلسلات، أصبحوا أكثر بكثير من المنهمكين في كتابة الزوايا والمقالات الصحفية، وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
[size=9]لن أذهب بعيداً، وأطوف على موائد المؤسسات الثقافية والإعلامية للتعرف على أشكال المدعوين، وأسمائهم ولا على أشكال الكتابة، وموثبات الإبداع، والطرائق التي تمر بها تلك الدعوات، ولن أغوص في أعماق ماهية الكتابة، وفي خاصية كل جنس أدبي عن سواه من الأجناس الأدبية والفنية الأخرى، والتطورات التي ألمت بكل جنس في السياق التاريخي والتقاني، بعد اجتياز الثورة الصناعية الأولى والثانية، والثورة الالكترونية، الى الثورة التقانية العصرية التي تفرض منطق العمل باللوحة الرقمية، وشهادة الاختصاص، بل سأحاول بكثير من الإيجاز الإشارة إلى أن وعي الكتابة يوازي تماماً وعي الحياة، والحياة في جنان الوعي المعرفي، وتوجيه تلك المعرفة باتجاه الحق والصدق والارتقاء بالإنسان إلى المستويات العليا التي تؤهله لأن يكون فعالاً ومنتجاً، لا منفعلاً وعاطلاً عن الفعل والعمل في السلم الحضاري لأمته وشعبه هي الحياة الجديرة أن تعاش، والكتابة على اختلاف أشكالها ومدارسها وأنواعها، ينبغي لها أن تكون انعكاساً لها، وتفسيراً لأهم معضلاتها ومشكلاتها، واستجابة لجميع تساؤلاتها، تفعل فيها باتجاهين رئيسيين:
[size=9]اتجاه يحمل سمات النبوءة والكشف والسبر عما يجب أن يكون عليه الآتي من الأيام (المستقبل) واتجاه آخر يحمل مرآة التصوير الدقيق للواقع على الصعد كافة، من منظور النقد الموضوعي المرصع بالحب والحرص على التقدم والنهوض وليس من منظور النقد الهدّام الذي ينطوي على الحقد والكراهية.
[size=9]الأول: يشكل آفاق الحلم الذي يجب أن يكون عليه الغد
[size=9]والثاني: يتلمس مواقع الخطأ والصواب، ويدعو بكل جرأة وصراحة لتجاوز الخطأ، وتعزيز الصواب.
[size=9]والأهم أن نكون نحن ذواتنا في قناعاتنا وتصرفاتنا، ومواقفنا لا ظلالنا، وظلال أقنعتنا وفي هذه الحالة يصبح وعي الكتابة جزءاً لا يتجزأ من وعي الذات، ووعي الآخر جزءاً لا يتجزأ من وعي الحياة، وعندئذ تصبح الكتابة بالأصابع العشر، هي المعبر الأوفى عن صميم هذا الوعي كتابة وسلوكاً حياتياً نعيشه داخل مجتمعاتنا منسجمين مع ذواتنا لا منفصلين عنها.
[size=9]أخيراً لابد من القول: إن الكتابة الجيدة الصادقة الحاملة لرسالة الكلمة النظيفة الفاعلة المؤثرة في الحياة والمجتمع هي بالضرورة بنت الأفكار الجيدة، والقضايا الكبيرة، والأهداف الجليلة والغايات النبيلة وليس العكس، وحين تكون كذلك سوف تلقى الترحاب والقبول والإقبال من قبل القراء وسوف تمكث في الأرض طويلاً، وأختم بقوله تعالى: «ألم تر كيف ضرب الله مثلاً، كلمة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار».