المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: بين ضفتي المتوسط الثلاثاء أكتوبر 27, 2009 9:55 pm | |
| سعيد هلال الشريفي في الندوة الحوارية التي أجراها الزميل نضال زغبور على هوائي الفضائية السورية الأسبوع الماضي عقب انتهاء أعمال "الحوار السوري الألماني" توجه بسؤال إلى ضيوفه الألمان بالقول: هل أصبحتم تنظرون إلينا كأمة ناضجة أم, ماذا؟لكن سؤال الزميل نضال مضى دون أي جواب, لأن سؤاله يلخص أساس وعلة المشكلة التي تعود لقرون عديدة من الزمن, دون أن تتوفر الإرادة, لمرة واحدة, لمواجهة المشكلة كما هي في الواقع, وليس كما يراد استثمارها سياسيا وإعلاميا من وقت لآخر, حسب هبوب الرياح الأوروبية في أشرعة المصالح الاقتصادية والسياسية.السياسة شيء, والعمل الثقافي والتربوي شيء آخر.أتذكر الآن بدايات الحوار العربي الأوروبي الذي انطلق منذ سبعينيات القرن الماضي, وكان يعقد على أعلى المستويات الفكرية من كلا الجانبين, وكان دائما مترافقا بصخب إعلامي, يفوق حجم النتائج التي يخرج فيها على الأرض.كان الهدف باستمرار من هذه المنتديات الفكرية, خلق حراك يوهم المثقفين في كلا الجانبين بأن ثمة رياح جديدة سوف تهب على مسيرة العلاقات بين ضفتي المتوسط, ثم سرعان ماتخبو الحماسة, وتعود الأمور إلى ماكانت عليه, ويعود الإعلام الغربي إلى حكايته القديمة في وصف العرب بأسوأ ما يمكن من صفات, وكأن الندوات الحوارية التي عقدت على مدى أيام, والتوصيات التي خرجت بها, كانت لمجرد الحوار, وهكذا دواليك.أساس المشكلة, يكمن في المثل العربي القديم القائل" العلم في الصغر, كالنقش في الحجر". هذا ماتؤكده بالضبط الدراسة القيمة التي أنجزتها الدكتورة فوزية العشماوي, المدرسة في جامعة جنيف, في بداية الألفية الحالية, بعنوان " صورة الآخر في مناهج التاريخ للمرحلتين الإعدادية والثانوية في اثنتي عشر بلدا أوروبيا" والتي خلصت فيها إلى نتيجة مفادها أن كتب التاريخ التي لاتزال تدرس في تلك البلدان تشترك فيما بينها على الربط بين تشويه صورة خاتم الأنبياء إلى حد التشكيك في صحة نبوته, ووصف العرب المسلمين بالهمج, القساة, العنيفين, الذين وصلوا إلى مشارف أوروبا قادمين من الصحارى المقفرة, حفاة, فاحتلوا اسبانيا, ولو لم يطردوا منها, لكانوا قد شكلوا خطرا حقيقيا على الحضارة المدنية الغربية.هذا غيض من فيض مما تزخر به كتب التعليم في كافة المراحل الدراسية. وهذا مايشكل حسب تعبير علماء النفس, الخلفية الثقافية التي تنتج مايسمى بالأحكام المسبقة أو الجاهزة لوصف أمة, أو شعب بصفات محددة, استنادا إلى التلقين الذي يبتدئ مع بدء تكون ثقافة الطفل الأولى.عندما قرر الزعماء الأوروبيون, عقب الحرب العالمية الثانية, طي صفحة الماضي الدامية والمؤلمة بين شعوبهم, ومضوا إلى توقيع اتفاقية روما عام 1956 التي أطلقت بموجبها السوق الأوروبية المشتركة, ألحقوها باتفاقية ثقافية وتربوية, تلغى بموجبها كل العبارات والإشارات التاريخية التي تنمي الحقد والكراهية واحتقار الآخر, فنتج عن تلك العملية جيلان, لايحملان أي أفكار مسبقة تعيق تواصلهما الإنساني.في كلمته التي لامست العقل والروح معا, بما حملته من مضامين إنسانية عميقة, قدم سماحة مفتي الجمهورية, الدكتور أحمد بدر الدين حسون, سورية كما هي في الواقع, بلد التسامح والعيش المشترك, من على منصة البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية العام الماضي, متوجها لأكثر من سبعمائة نائب أوروبي بالقول: " لك مطلق الحرية بأن لاتعتقد فيما أومن به, لكن لايحق لك الإساءة لمقدسات الآخرين". ووسط عاصفة من التصفيق الحار التي قوبلت بها كلمته, وقفت رودي كراتسا, النائب الأول لرئيس البرلمان لتعلن بصوت عال قائلة: " سورية هي البلد المؤهل أكثر من غيره ليكون الشريك الاستراتيجي لأوروبا في الشرق الأوسط".نائب آخر نهض بحماسة قائلا: لقد اكتشفنا سورية بصورة لم نألفها سابقا.هذا البلد يستحق اهتماما كبيرا وتقديرا أكبر.طبعا الصورة النمطية الراسخة, التي تعود إلى ما تلقوه على مقاعد الدراسة, هي عكس ماسمعوه, وهذا مايدهش كل زائر لسورية, لعمل أو بهدف السياحة, حين يتصل بالناس, فيكتشف من تلقاء نفسه, أن ماتلقنه على مقاعد الدراسة لم يكن حقائق تاريخية أو علمية, بل مجرد رؤية سياسية, تقف جهات مشبوهة ومغرضة وراء تكريسها حتى الآن, منعا لتوطد أواصر صداقة وإخاء حقيقيتين بين شعوب ضفتي المتوسط. | |
|