المدير المدير
عدد الرسائل : 205 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 11/10/2008
| موضوع: الذرى العالية الخميس نوفمبر 26, 2009 2:14 am | |
| أوراق ..الذرى العالية
دمشق صحيفة تشرين ثقافة وفنون الأربعاء 25 تشرين الثاني 2009 سعيد هلال الشريفي يحلو لبعض المفكرين في الغرب، الحديث بنبرة مختلفة هذه الأيام عن بدء انحدار حقيقي في صميم الحضارة الغربية، والتمهيد لمصالحة مع الذات، قوامها إعادة قراءة التاريخ المعاصر لأوروبا، بهدف تنقيته من مخرجات الحقبة الاستعمارية التي ولدت فكر وثقافة العرق الأبيض المتفوق على باقي أجناس البشرية.
عندما حط طارق بن زياد أقدامه، وجيشه فوق صخور المضيق الذي حمل اسمه فيما بعد على الضفة الأوروبية، من شاطئ البحر المتوسط كانت نظراته ترنو بشغف نحو ذرى جبال البيرنيه الباردة: وكان قوام جملته «لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». كانت ثمة رسالة إنسانية سامية تمنع الفاتح العربي مهما عظمت قوته من الانزلاق في شرك العنصرية والشعور بالتفوق العرقي.
لقد ترافق ظهور المشروع الصهيوني العنصري الذي أرسى دعائمه هرتزل أواخر القرن التاسع عشر، مع ذروة صعود المد الكولونيالي الأوروبي، الذي رأى فيه ضالته المنشودة. ولكي تتجاوز الفكرة الصهيونية الكثير من العوائق التي تقف حائلاً من دون اندماجها في المشروع الاستعماري الأوروبي في ذلك الحين، كان لابد من اجتراح مصطلحات جديدة، وثني عنق التاريخ وتطويعه لخدمة تلك المفاهيم والمصطلحات، كاعتبار اليهود الاشكيناز من ضمن العرق الأوروبي الأبيض، دون السفارديم (اليهود الشرقيين) وبالتالي تمت عملية تماهيهم، ليس فقط ضمن المجتمعات الأوروبية، بل وزجهم ضمن المشروع الاستعماري الصاعد.
من هنا انطلقت المصالحة التاريخية بين الفكر الكاثوليكي الأوروبي المحافظ، والجاليات التي كانت منبوذة في غيتوهات وارسو، وبوخارست وغيرها، وتخصلت من وزر دم السيد المسيح بعبورها فوق الجسر الصهيوني العلماني لتسقط معه كل الذرائع التاريخية بالانتقام، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، التي تم استثمار وتوظيف نتائجها بشكل غير مسبوق، لخدمة المشروع الصهيوني الذي تحول إلى مشروع يدافع عنه الغرب لشدة تماهيه مع الثقافة الغربية بكل أبعادها الفكرية، والثقافية، والعنصرية، القائمة على فكرة الاستعمار الذي يهدف إلى نقل الشعوب المستعمرة، من مرحلة الهمجية والتخلف إلى قيم الحضارة المدنية الغربية.
هذه هي الصورة التي جسدها المشروع الصهيوني في الذاكرة الجمعية العميقة للمجتمعات الغربية طيلة القرن العشرين، باعتبار إسرائيل امتداداً طبيعياً لحضارة الغرب المدنية في شرق «مسكون بالعنف والتخلف والجهل» وهي، أي إسرائيل، حسب رأي أي مثقف غربي تحاوره، تخوض حروباً استباقية ضد محيطها العربي «دفاعاً عن نفسها»، الأمر الذي يعقد سبل أي حوار منذ بدايته، ويلقي بوجه المثقف العربي كمائن لايسهل القفز فوقها، إلا عبر فهم عميق لتاريخ عصر النهضة الأوروبية بكل امتداداتها الفكرية والدينية والفلسفية والأدبية، والتعامل معها بمصطلحاتها التي ابتدعتها كي تتمكن من دحض مقولة «الدفاع عن النفس» التي تستخدم حتى الآن في العراق وأفغانستان، وفي كل مكان مستباح، يحرم فيه ابن الأرض الأصلية من حق «الدفاع عن النفس» فيسمى إرهابياً، لأن هذا الحق هو لهم، من دون باقي البشرية.
الحقيقة الثابتة واقعياً هي أن المشروع الصهيوني الاستعماري، هو جزء من المشروع الاقتصادي –الثقافي الغربي الرامي إلى الهيمنة على العالم.
ومع بدء انحدار الأخير، وتقهقره أمام التكتلات الإقليمية الجديدة التي تتكون (آسيان، بريك، كوميسيك)، يتقهقر هو الآخر لأنه مقطور بها، فإذا كنا نؤمن بأن الغرب سيخرج منكفئاً من المنطقة العربية بعد حين، لابد أن نؤمن أيضاً بأنه سيقطر وراءه قاعدته العسكرية لأنها ولدت من رحمه، وهو أولى بها منا وعليه إعادتها إلى ثكناتها فوق أراضيه.. "فصبراً آل ياسر"
| |
|