إنه «القدر الحتمي» الذي سكن أذهان الآباء المؤسسين لأعتى وأخطر إمبراطورية عرفتها البشرية حتى الآن.
[size=9]بين بطل الاستقلال, جورج واشنطن (1797) وجيمس مورو (1825) كانت فكرة القدر الحتمي تشق طريقها وسط أفكار مشوشة, يختلط فيها الإرث الديني المتشدد القادم إلى القارة الجديدة مع أفواج المهاجرين الأوائل, من أوروبا الأنغلوسكسونية على وجه الخصوص, وطموحات الطبقة البرجوازية الصاعدة بقوة, مزهوة بنجاحاتها الاقتصادية والمالية الباهرة, إلى الأصوات المنادية ببناء جيش لامثيل لقوته وجبروته في التاريخ, بشكل يليق بحجم الإمبراطورية القادمة, التي يفرض عليها قدرها الحتمي تخليص البشرية من «الشعوب المتوحشة», التي تشكل فائضا لالزوم له فوق كوكب الأرض.
[size=9]جاء في مدونات المؤرخ تورين عام 1880: «الحدود الدولية, هي تلبية لديناميكية الغزو الذي يحمل معه نمط الحياة الأمريكية الجديدة. لقد أزيلت الحدود الفاصلة بين جميع الولايات الأمريكية, وما كان لذلك الأمر أن يتحقق لولا القضاء نهائيا على الشعوب المتوحشة (السكان الأصليين للبلاد طبعا) التي كانت تشكل عائقا أمام هذا القدر الحتمي. لذا يتوجب على الولايات المتحدة أن تفتش عن أراض جديدة.. عليها أن تجتاح كل البحار, وتقيم قواعد لها. يجب أن تصل بوارجنا إلى كل مكان.. يجب أن تكون الملاحة البحرية تحت سيطرتنا, والتجارة الدولية لنا. وستكون لنا».
[size=9]لم تكن عملية الدفع إلى البيت الأبيض, بأحمق تسكن رأسه الثملة أساطير توراتية وتلمودية مع بداية الألفية الحالية, مجرد مصادفة انتخابية بريئة ونزيهة.
[size=9]كان المطلوب منه أن يجعلنا نرى بأم أعيننا, الوجه التام والحقيقي لهذه الإمبراطورية المتوحشة.
[size=9]ضحكت بمرارة وأنا أصغي إلى تبريرات الناطق باسم البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي حول أسباب عزوف الادراة الحالية عن فكرة إغلاق معتقل غوانتانامو الرهيب, بقوله إنهم يخشون أن يتعرض هؤلاء الموقوفون إلى الاضطهاد والتعذيب من قبل أجهزة الأمن في أوطانهم في حال تم ترحيلهم إلى هناك!!!
[size=9]هل بقي هناك نفاق سياسي وإعلامي أكثر من هذا؟
[size=9]لقد سقطت نهائيا ورقة التوت التي كانت تستر بصعوبة قضية الشاب النيجيري الذي كان ينوي ترويع الأمريكيين ليلة عيد الميلاد بتفجير طائرة ركاب ببودرة متفجرة كانت مخبأة في سرواله الداخلي.
[size=9]فقد أصابت العملية أكثر من عصفور بحجر واحد:
[size=9]لقد تمكنت وزيرة الداخلية الأمريكية المجتمعة منذ أيام مع نظرائها الأوروبيين في مدينة طليطلة الاسبانية من إقناعهم بتزويد مطاراتهم كلها بماسحات ضوئية تصنعها حصرا شركة أمريكية-إسرائيلية بكلفة 500 ألف دولار لكل مجموعة. وقد قدر حجم حاجة كل مطار في أوروبا بين 60-100 مجموعة.
[size=9]المشكلة الآن بين الأوروبيين والوزيرة الأمريكية تتوقف عند تمنع الأوروبيين على مسألة ربط قاعدة بيانات هذه الأجهزة مع مركز مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة, وإصرار الأوروبيين على إتلاف كل التسجيلات يوما بيوم, وعدم تزويد أي جهة بها حرصا على خصوصية الأفراد.
[size=9]أما الشاب النيجيري, فقد اختفى كليا عن أضواء الإعلام الغربي, بعد أن تمت الصفقة الكبرى التي أبرمت بفضله, ولم يعد بوسع أحد أن يعرف شيئا عنه, ربما حرصا على سلامته من التعذيب على يد أجهزة الأمن في وطنه.
[size=9]ياإلهي.. كم هم رقيقو القلب, ومرهفو الإحساس.
[size=9]ألا نظلمهم قليلا, حين لا نرى قلوبهم الرقيقة في معاملة السجناء لديهم في “ أبو غريب” وغانتاناموا, والسجون الطائرة, والأقبية الرهيبة في بعض الدول الأوروبية, هذا غير الجزر المهجورة التي أودع فيها آلاف الأفغان والعراقيين والعرب, والباكستانيين, والتي لم يكتشفها أحد بعد ؟.
[size=9]ألا يكفي أنهم تعطفوا علينا واستبدلوا تعبير «الشعوب المتوحشة» بكلمة «الإرهاب» لأنها أكثر لياقة من سابقتها في إعلام القرن الحادي والعشرين, «المتحضر جدا»!.
[size=9]