هذا ما كشفت النقاب عنه إذاعة كندا مساء 23 شهر كانون الثاني الماضي, إثر استضافتها لمخرجي الفيلم الوثائقي, جيرمان غوتييز وكارمن غارسيا, (قضية كوكا كولا), الذي تم مؤخرا منع عرضه أو مشاركته في أي مهرجان في الولايات المتحدة أو خارجها, بذريعة أنه فيلم يحرض على تصعيد مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة, وينمي دوافع الإرهاب ضدها.
[size=9]إمبراطورية كوكا كولا, كما يقدمها الفيلم الوثائقي, تملك مصانع لإنتاج المشروب الغازي الشهير في كل بلدان أوروبا وأمريكا اللاتينية والعديد من البلدان الواقعة ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي, ومنها بعض الدول العربية. وهي حسب ما ورد في وقائع الفيلم الوثائقي وتأكيدات مخرجي الفيلم على هوائي إذاعة كندا, تعمل لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية, وقد أنيطت بها, بحكم وجودها المعلن في العديد من الدول, بمهمة تصفية قادة الحركات النقابية والعمالية والحزبية اليسارية, المناوئة للسياسات الأمريكية, وقد دعم مخرجا الفيلم اتهاماتهما للشركة بشهادات حية وتحقيقات ميدانية رسمية أخذوها من السلطات القضائية أو الأمنية في ثلاث دول شهدت اغتيالات من هذا الصنف, منها كولومبيا وغواتيمالا وتركيا خصوصاً في تسعينيات القرن الماضي عندما كانت تركيا تتفاعل سياسياً بين تياري الإصلاح والعلمانية العسكرية.
[size=9]يؤكد مخرجا الفيلم الذي يستغرق عرضه ثلاثين دقيقة, أنه حيث يوجد مصنع لإنتاج الكوكا كولا في أي بلد من العالم, يوجد عش يعج بعناصر الاستخبارات المركزية, والقتلة الذين ينتظرون الأوامر لتنفيذ أبشع جرائم التصفية الجسدية لرموز مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكية على العالم.
[size=9]مع كل رشفة من هذه المادة المنعشة, ثمة دم يسيل في سفوح عوالمنا الباحثة عن أمن وسلم مفقودين منذ عقود طويلة من الزمن.
[size=9]لقد صمم مخرجا الفيلم لافتة دعائية تختزل الكثير من قصصه المأساوية, والتي تذكرنا بأفلام كوستا غافراس في سبعينيات القرن الماضي, عندما تصدى عبر العديد من أفلامه الروائية الطويلة ( حالة حصار, و Z ) وفضح تركيبة هذه الإمبراطورية ورعايتها لدولة عميقة داخل الدولة الأمريكية, تدعى وكالة الاستخبارات المركزية, التي تعتبر الكرة الأرضية برمتها مسرحاً مفتوحاً لعملياتها الإجرامية القذرة.
[size=9]اختزل فيلم «قضية كوكا كولا» بلافتته المؤثرة قصته, بمسدس حربي يحمل على كامل مساحته شعار الشركة, لكن بدلاً من محتواها السائل المنعش الأسود اللون, احتل لون الدم مكانه, كرمز للقتل والجريمة.
[size=9]هل الولايات المتحدة قابلة للإصلاح؟
[size=9]تحت هذا العنوان اللافت للانتباه, كتب سيرج حليمي مقالة مطولة في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية الصادرة في شهر كانون ثاني, وخلص إلى نتيجة مفادها أن هذه الإمبراطورية المرعبة في تركيبة مراكز القوى (الاقتصادية والمالية) فيها التي شيّدت صروحها عبر قرون من الزمن, بشكل يجعل من البيت الأبيض مجرد مركز مرتبط عضوياً بكل لوبيات الضغط الفاعلة, من دون أن يتمتع ساكنوه بأدنى استقلالية في صنع أي قرار استراتيجي, يتعارض مع مصالح مراكز القوى.
[size=9]الدولة العميقة التي حاول الفيلم الوثائقي الحالي أن يسلط الضوء عليها هي نفسها التي تحدث عنها المؤرخ الأمريكي ريتشارد هوفستادر إثر اغتيال الرئيس جون كينيدي في دالاس عام 1963, بقوله: «العدو, وخلافا لما نظن, لايخضع لآلية ومنطق التاريخ, بقدر ما هو ضحية ماضيه الخاص, وشهواته وإمكاناته المحدودة... إنه عميل مستقل لمنظومة متممة لبعضها, نشط وشيطاني في آن واحد. يخلق الأزمات العالمية, ويفتعل إفلاس كبريات المصارف ليسود الكساد والفقر, لينعم هو, ضمن المنظومة المتممة لبعضها بالرخاء, فوق حطام الآخرين..».
[size=9]يخلص سيرج حليمي في مقالته الرائعة, إلى إطلاق العديد من إشارات اليأس من أي احتمال أو إمكانية في المدى المنظور من شأنها إصلاح إمبراطورية الرعب هذه, لأن الدولة العميقة المتجذرة, غير المرئية بالنسبة لعامة الشعب الأمريكي, أقوى بكثير من مؤسساتها الحكومية, التي تنتخب كل أربع سنوات, لتنفذ شهوات نخبة مالية واقتصادية, حتى لو كانت متناقضة مع المصالح العليا للدولة التي تحتضنها, والتي وصفها المؤرخ الأمريكي هوفستادر, بمنتهى الوضوح والشفافية.
[size=9]
[size=9]