كتابة.. في الثقافة..؟!

دمشق - صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 30 ايلول 2008
بقلم: إسماعيل عامود
لا جدال في أنّ «الكلمة» في صيرورتها، لها علاقة مباشرة ووطيدة مع «الواقع» لأنها بالفعل هي نتيجة تعبير عنه.

وبالتالي فهي وليدته وأداة دلالة عليه، ومنذ فجر الإنسانية تقوم الكلمة مقام العلنيّة لمكابدات الإنسان في تدرجه الحياتي..! وما يتضمّن هذه الحياة في مسيرتها من أمورٍ هي بالذات مدار تفكيره وقلقه وتباريحه وأفراحه، سلبياته وإيجابياته..! ‏

فالكلمة في مثل هذه المواقف لابدّ وأن تنتج فعلاً مادياً يتصرف بالشؤون العامة، أو المقصودة التي تفرزها ضروريات التعامل مع الآخرين.. وبالتالي مع الحضارة الراهنة في كلّ أبعادها الملونة... إذاً، فإن ثمّة (علاقة) بين ما هو قائم بالفعل، وبين ماهو مكلف بإداء المعنى، أو بإحاطة الفعل المادي الذي يتعامل مع أسبابه ومسبباته إنساننا الأرضي.. التعامل الذي ينتج (الجدل) بين ماهو قائم وما هو متوقع أو مأمول... وما دامت (الكلمة) ­ كما اسلفنا، هي نتيجة (جدليّة) موجودة، تعني الفكر وتعني التثقيف بمدلوله البعيد والقريب معاً، فإنّه لابدّ من أن تقوم الثقافة بواجبها في بلورة الواقع وطرحه للجماهير بوضوح ودون تضليل، بمعنى دون تزييف أو تلفيق في دلالاته...! ‏

ہ هذه (الثقافة) المبنيّة على أساس من التراث، وعلى أساس من التاريخ المدروس حضارياً دراسة واعيّة ومتجرّدة.. وعلى أساس من الهموم الجماهيرية وهواجسها وآمالها وطموحاتها.. طبعاً.. على أن تكون ­وأعني الجماهير­ مهيأة فكرياً ومعنوياً ونفسياً لاستقبال الجديد من المتغيرات الحضارية دون أن تفقدها ­ وأعني الثقافة­ أرومتها وأصالتها.. وما تغيّر الحاضر إلا نتيجة ثبات الماضي.. وما توقعات المستقبل أو العمل من أجل هذا المستقبل إلاّ من أجل معالجة الماضي في فكر الحاضر، وليس العكس..؟؟ ‏

إذاً، فإن فعل الثقافة في المجتمع هو بالضرورة فعل تاريخي، ينمو ويزدهر من أجل حياة أفضل وهذا من بديهيّات الحياة، ولا يمكن أن يظلّ التاريخ في منأى عن التجديد وقانون الحياة الأبدي.. قانون يقبل في نصوصه التبديل والمناقشة..؟! ‏

ہ هناك في القطر حركة ثقافية لاتعدم من الثناء، لكنها تكاد تكون (مفلوشة).. ولكي نكون واقعيين أكثر نقول: إنها ­أي الحركة­ لايقوم عليها مثقفون مجرّبون ممن لهم (طاقات إبداعيّة) أثبتت وجودها في الأعمال المطروحة، أو هي في طريق المحاولة، مع أن ثمة إمكانات وأدوات ووسائل إيصال جيدة غمجلات، صحف، صالات مسرح، سينما، تلفزيون، إذاعة، صالات عرض، مراكز، مؤسسات..ف ولكنها للأسف، (مسلّمة) إلى أشخاص، بعضهم لا تتناسب معرفتهم وتجاربهم ومعاناتهم الشخصيّة والثقافية المأمولة، وطاقاتهم الفكرية وقدراتهم العقلية لتقنين هذه الأدوات.. وتلك..؟؟ وبمعنى أوضح: ليس مكان هؤلاء هنا.. وإذا أدركنا أنه ليس ثمة من بديل.. إذ الواقع بالضرورة يتحتّم علينا تعيين مثل هذه الكوادر من الأفراد، هو من مثل هؤلاء لعلّ (الزمن) يعلّمهم أوهم يتعلّمون، وإذا أدركنا، أيضاً، بالواقع الجاري، أن أفضلية التعيين هي للأفراد المقربين..؟ وليس العكس.. ‏

أو للمنتمين­أو للواسطات­ فإن (دقة) الانتخابات (ودقة) الاختيار والترشيح والانتقاء يجب حضورها..؟! ولعلّ (مواطناً) صامتاً ­مبدعاً­ خير من عشرين مواطناً دعيّاً فارغاً، تدعمه (الشلليّة) وال (التبعية) وينادي بـ (الالتزامية)..! عجبي..؟ ‏

ہ أقول قولي هذا.. وأنا أرى من خلال المشرفين على الشؤون الثقافية هبوطاً في مضمون المقالات، والخواطر والأشعار والقصص التي تلفظها (مطابعنا) كل يوم بالعشرات.. أرى هبوطاً في (الفكرة).. وخللاً في (الصورة)، تعتيماً في (الكلمة)، تسيباً في (الطريقة)، تشوهاً واهتزازاً في (المعاني)، تبدداً في (التراكيب)...الخ.. ‏

ہ أرى، ويرى، غيري طبعاً (اعتداء) على المسرح واحتلالاً له من قبل بعض الذين يدّعون (الفن المسرحي).. إذ يشاهد جمهورنا المسكين الطيّب في المسرحيات (لوحات) هزيلة لنقدات مكرسة ­قد تضحك­ من أجل البقاء على السيئ، بل دعمه، أيضاً، وفي التلفاز مشاهد محليّة، ولقاءات، وحوارات، لا يهيأ لها.. وإنما تجري هذه كيفما اتفق.. ميوعة في الطرح، لاتكترث بالمشاهدين.. ألوان فاقعة وكلام عادي جداً، وعامّي جداً، وأمّيّ جداً، لقد فاتني القول فيما يتعلق بالروايات الثابتة في الصحف المرموقة لكتاب مللنا منهم، لتسوّلهم القميء فكأنّ في بلدي لايوجد سوى (حاتم الطائي) كريم غيره.. أني أحيل هؤلاء وزواهم المضجرة منذ زمن.. على (التقاعد) ولكن على أبواب (التكايا) ودهاليز ممرات المكاتب والأماكن الخيريّة في المدن المقفرة..! ‏

وهنا أعود إلى الأحاديث المسطحة في وسائل بعض وسائل الإعلام المرئية والسمعيّة لأكتب: ­ كأنّ الذين يشرفون أو المكلفون.. لايقرؤون سوى الكتب والروايات البوليسية والدوريات الهزيلة المضمون، والفن، معاً.. والأغنيات، حدّث ولاحرج، فمستواها لايليق بتطلعات أمتنا الحديثة.. الناهضة. ‏

ہ واقع ثقافي، بالرغم من (نشاطه) الكمّي، يحتاج إلى (كيفية) مخلصة، وإلى متخصصين أوفياء يغارون­ على الأقل­ على جماهيرهم الطالعة الذين يتسلقون مدارج الحياة. ‏

ہ إن الثورة الثقافية، من أجل تحقيقها، أو لتحقيق بعض متطلباتها أولاً، ليست في الكثرة والفوضى تأتي نتائجها الطيبة.. بل بـ/ الانتقاء والاختيار للأفضل والأبرع... وبالعمل المخلص.. والإبداع ثانياً­ وليس كل من قرأ الكتاب فهيماً..­ ولا أخال في أن ثورتنا الثقافية لا يمكن لها أن تؤمن ما تصبو إليه الجماهير من جهة، وتساوي أو توازي، ما يجري في العالم المتقدم من جهة...! ‏